الثلاثاء، 25 يونيو 2013

عزيزي السودان ...سعيدة بمقابلتك !

لا أعلم من اين يبدأ الكُتاب و الشعراء  و غيرهم حديثهم عن الوطن و  الحنين إليه ...و لكن ما يريحني فيما سأكتب أنني مقتنعة منذ القِدم (قبل سنتين كدة) أنني تلك العِلكة (اللبانة) الملتصقة على شعر مجتمع الكتُاب  ....لهذا علي أن لا استاء من عدم قدرتي على وصف الوطن و الطريق إليه ...وفي حالة القدوم بطائرة ...فـ وصف الجو العام الموصل للمكان الذي غادرته قبل 13 عاماً إلا (3 أشهر) !

حسناً علي أن اوضح بأنني و رغم كل ما كتبته عن رحلة العودة المرتقبة إلى وطني فانا لم استوعب حقيقة أنني في يوم الخميس (الموافق الـ 13 من يونيو 2013م)  الساعة التاسعة مساءً بتوقيت (صنعاء) قد ودعت منزلي الذي قطنت فيه مدة 11 عاماً من اصل الـ 13 عاماً التي قضيتها في اليمن , كنت اتصرف طيلة الوقت كأنني ذاهبة في نُزهة من نوع ما إلى المكان الذي شغل من عقلي حيزاً ...سواء كان هذا الحيز ذكريات مضت ..او طموحات عاقدة العزم على تحقيقها في ارضه  .

كنت انظر لشوارع صنعاء و نحن في الطريق إلى المطار نظرة شخص سيعود في يوم ما إلى وطنه الثاني ...لم اشعر أنه الوداع النهائي ...و ربما للزبيري (رحمه الله ) دور في ذلك ...فلا زلت استشهد بقوله ( لا بد من صنعاء و إن طال السفر ) ..غادرت صنعاء ...في تمام الواحدة صباحاً و بدأت رحلة العودة إلى الوطن ....

وصلنا إلى مطار الخرطوم الدولي , و رغم الارهاق الشديد الذي كنت اشعر به بسبب معاناتي الطويلة طوال ما يزيد عن شهرين من موعد السفر (وحتى يوم السفر نفسه ) ....إلا أن كل ما كنت اشعر به هو ....الم في القدم بسبب الكعب العالي ... والذي ما ان دخلت الصالة في المطار نسيته تماماً لأنني كنت انظر في وجوه المسافرين و العاملين في المطار ....كتلك النظرة التي رافقتني دوماً في صنعاء عند رؤية وجه سوداني بين الفينة و الأخرى ...

صُدمت في مطار الخرطوم بأننا سنتوجه مباشرة  إلى (الميناء البري) في طريقنا لمدينة حلفا و منها إلى قريتنا , ليكون التعب مُضاعفاً ....و فعلاً تم ذلك فقد توجهنا من المطار في الساعة الثالثة صباحاً عبر شوارع الخرطوم الواسعة إلى الميناء   و بالرغم من ان الساعة كانت الثالثة صباحاً إلا أن الناس كانوا (عاديين) كأن الساعة هي السابعة مساءً  !!!!!

وصلنا إلى الميناء البري و الذي اعتقد جازمة أن كاتب كلمات اغنية (عشان القاك ) كان بعد تجربة الوقوف في الميناء البري تلك المدة  وما حدث لنا من عرقلة فيه ليكتب ...(تعبت من السفر بالبر ...) بدلا عن (تعبت من السفر بالموج ) .... و لكن ...كله عشان حلفا يهون .

كان اول ما لاحظته عند الوصول إلى الميناء البري و الذي كان مغلقاً لحظة وصولنا إليه هو (كدح) السودانيين ...سواء كان هذا الكدح من الشباب الذين يعملون في بيع تذاكر باصات السفريات او صاحب (الكارو) ذلك و الذي كان يقود حماره في عتمة الفجر تلك قبل خروج الشمس او ست الشاي و التي كانت قد جهزت شاي اللبن و اللقيمات  و بدأت في رش الأرض و كنس المكان الذي حولها ...و شربت اول كباية شاي لي في السودان بعد مدة الغربة هذه من يدها ...كانت الحياة حول الميناء البري ....(حياة) ...عنوانها البحث عن لقمة عيش حلال.

بعد الجلوس في تلك العربة  و التي كانت تقلنا و امتعتنا امام الميناء لفترة من الزمن  ...و على فكرة ما زلت لا اعرف هل كانت العربة التي تقلنا (اتوس) ام امجاد ام هايس (-_-) (اسماء السودانيين بتاعت العربات دي كتيرة ياااخ ) ...المهم و بعد المشقة التي واجهها اخي في قطع تذاكرنا و بعد عرقلة دخول (امتعتنا) من شخص ما بطريقة همجية في الميناء – شخص لا زلت اجهل  رتبته -  دخلنا الميناء بسلام آمنين و ...بدأت رحلة البحث عن مكان (الباص) الذي سيقلنا إلى حلفا ...فوجدناه بعد معاناة من نوع آخر و صعدنا على متنه ....

تحرك الباص بعد أن سألت امي كم تستغرق الرحلة من الخرطوم إلى حلفا و كان سؤالي للتأكد فقط لأن لي فكرة مسبقة أن تلك الرحلة  تستغرق 7 ساعات , جلست بالقرب من النافذة لأتعرف بـ أرض...(الوطن) , و كان ذلك يوم الجمعة 14 يونيو ...ابهرتني المناظر الطبيعية في رحلة السبع ساعات تلك ...كنت ارى الاراضي السهلية تمتد و تمتد على مدى نظري ... كنت افكر أن السودان ....كبير !!! ( بالرغم من فكرتي المسبقة عن مساحة المليون ميل مربع ...قبل انفصال الجنوب) .

طوال تلك الرحلة كانت والدتي تتلقى اتصالات من الاهل في قريتنا للاطمئنان علينا و قول حمد لله على السلامة مسبقاً , ثم علمت في الطريق بأنهم سـ يقومون بتعزيتي في وفاة جدتي رحمها الله والتي وافتها المنية في يوم 26 مارس 2011م و كانت تتشوق للقائي كما  اُخبرت مراراً ...

كنت اصور في بعض الاحيان المناظر التي استطيع التقاطها من نافذة ذلك الباص ...وكنت في معظم  الاحيان اعجز عن التفكير في حمل الجوال و التقاط ما اراه من الدهشة التي اصابتني ...و للحق أنني احببت (كثيراً) مما رأيته ..احببت منظر البقر و الغنم و المساحات الممتدة و الـ (قطاطي) و بيوت الطين و لعب الاطفال في اماكن بعيدة تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن ما اعتدت على مشاهدته ...سواء بسبب وجودي في الخارج او حتى ما رأيته في العاصمة المثلثة....كانت الحياة مختلفة ..تبدو بسيطة و جميلة ...مريحة و متعبة في آن واحد .

دخلنا مدينة حلفا...و رأيت فيها كما رأيت في رحلة السبع ساعات تلك التناقضات نفسها بين بيوت موجودة في نفس الرقعة الجغرافية و تبدو مختلفة كأنها على كوكبين مختلفين ...رأيت في حلفا كنيسة ...و مسجد ...ابتسمت تلقائياً ....لا ادري لماذا !!!!

وصلنا حلفا و كنت اجهل كيف سيكون اللقاء بأخواني كنت فرحة جداً رغم التعب  الشديد , و التقيت به,  بـ (حمدتو) أخي و في رواية اخرى (ليست من روايات الحلفاويين الاعزاء)  محمد  ...والذي لولا أنني رأيت صوراً حديثة له على الفيسبوك ما كنت لأعرفه ...فرِحة من قلبي و عيوني تدمع ...بكينا كثيراً وسلمنا على بعضنا اكثر من مرة ....افتقدت وجهه و ابتسامته ...و حنيته التي اشتهر بها ....ضربتني الحقيقة بعد سلامي على (محمد)  بأنني ...في السودان ...في ارضي بعد تلك المدة الطويلة ....و أن الحياة اختلفت حقاً عما علق في ذاكرتي ...كل شيء يبدو مختلفاً ....بطريقة ما ....و انا التي وقف بي الزمن في العام 2000م .

صعدنا على متن سيارة خاصة ... في الطريق إلى قريتنا (القرية 22 دغيم وسط ) ...قابلنا أخي احمد (ميدو) ....اوقفنا سيارتنا و اوقفوا سيارتهم و لم اصدق للمرة الثانية انني اراه امامي ....بعد انا كان رفيق دردشة فيسبوكي (سيء) يأخذ معلومات ولا يعطي ...احتضنت العزيز احمد في نصف الطريق الاسفلتي (الزلط) الموصل إلى قريتنا ..واصل طريقه إلى حلفا بعد حرارة السلام و واصلنا الطريق إلى القرية .....و لا زلت اجهل ما ينتظرني ...و احمل فرحة كبرى في قلبي....فرحة أصر (الخوف) من لقاء بعد غربة طويلة  إلا أن يخالطه  ....




لقاء الأهل في قريتنا ....في التدوينة القادمة ...دمتم بود .

الخميس، 6 يونيو 2013

خُلقت لأتزوج ؟!

كانت حياة جميلة و مستقرة حتى كثُر فيها تكرار كلمة (عريس , اصطياد , زواج ..الخ) و غيرها من المفردات التي تصب في نفس البحر الذي لا ينضب ...وكله على حساب صحتي !

احس أن المجتمع موجه ضدي بصورة كبيرة , بأنني بعد فترة سأضعه ضمن (البلاك ليست) التي املكها , و قد اتحول إلى (انتي سوسيتي) بسبب تصرفاته الأخيرة الكثيرة معي !

لا يكاد موضوع الزواج او اصطياد العريس المناسب يُغلق أمامي في مكان , حتى يُفتح في مكان آخر ...كأن الحياة أصبحت عبارة عن قناة تلفزيونية تخصصت في بث مشاهد مُزعجة ...الفرق أننا نتحكم في تغيير قنوات التلفاز التي تزعجنا و نبقى عاجزين عن تغيير قناة نصائح (اصطياد العريس) في واقعنا !المؤلم !

و رغم أنني لاحظت مؤخراً جداً اهتمام البني آدميين بالحديث في هذا الأمر بكثرة رغم توفر موضوعات أخرى (قاتلة للوقت) بطريقة أفضل, أن هذا الموضوع كان يتم منذ ....منذ الأزل , ربما في حياتي و حياة بقية البنات ...فمنذ زمن بعيد كان يتم تجهيزنا لفكرة الزواج بطريقة أو بأخرى ...ابتداءً من محاولات تعليمنا الطبخ لأن (اقرب طريق لقلب الرجل معدته) و انتهاءً بنصائح مباشرة كلها تصب في مصلحة شخص في وجهة النظر العامة (زوج) , و  في وجهة نظري ...مجرد وجه على شكل علامة استفهام ..لا تُرى ملامحه !

الحديث عن (اصطياد العريس) ازداد طردياً في حياتي نسبةً لأمرين ...
اولهما :- (التخرُج) والذي لو علِمت أن هذه الأهوال ستتبعه لكنت ....
وثانيهما :- موضوع السفر إلى الوطن ..والذي أصبح من كثر ما قام اصدقاء لي بربطه بـ (العريس) يُخيل لي أن ما كان يعرف بأرض الوطن في مخيلتي أصبح  (عرسان لانــد ) , و لا زال البعض يعطيني نصائح عن كيفية (الصيد) في بحر عرسان السودان ...و بالرغم من أنني لا أرغب في أن اكون هادمــة ملذات لنصاحيّ إلا أنها عملية تشبه عملية الاصطياد في البحر الميت ...حيث ارتفاع الملوحة ...و لا وجود للأسماك ...اقصد العرسان !

و إكمالاً لنصائح الصيد و الصنارة و محاولات الادلجة الفكرية لي لأعيش في إطار نفسي ضيق في وظيفة اسمها (خُلقت لأتزوج) ...حدث لي قبل عدة ايام موقف جعلني أشك في أن المجتمع (عــميل) لجهة مجهولة ...و هذه تفاصيل الموقف و الذي - كما اسلفت- جاء  ضمن سلسلة طويلة من المواقف  ...كنت انا الضحية المستهدفة فيها :-

اضطررت قبل عدة ايام لاستئجار (تاكسي) لأنني كنت مستعجلة  وكعادة (سائقي التكاسي) فإن (السُواقة) لا تحلو إلا بالتعارف او تجاذب اطراف الحديث مع من يكون معهم في تاكسيهم , وفي ذلك اليوم كنت انا إحدى المغلوب على أمرهم , بل إنني وصلت للحد الذي كدت فيه أن اقول (ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً منسياً ) !!!!!

في التكاسي ( وفي العادة يبتديء الحديث( مع الضحية)  بشكل (عادي) كأن تُسئل عن جنسيتك او مكان توجهك و ماذا تريد من ذلك المكان او الوضع السياسي في بلدك او غيرها من الأحاديث (الصغيرة) التي يقصد بها (قتل الوقت) ..... و كما قال افلاطــون : (مواضيع اصحاب التكاسي ...ما بتخلص ) ..حسناً افلاطون لم يقل هذا !!!!

مررت ذلك اليوم  بكل هذه الخطوات ولكن وصلت لسؤال هو الأغرب , وشعرت بأنه (تدخل ســـافِر) في شؤوني الداخلية كــ (كينونة)  , سألني صاحب التاكسي بعد المرور بتدرجات اطراف الحديث السابق ذكرها عن التالي , والذي و رغم أنني كنت في غياااهب التفكير العقلي ردني إلى الواقع سريعاً قاطعاً حبل تفكيري الطويل و جاءت الاسئلة التالية من دون مقدمات عليها  ...و هذا الحوار :- 

- أنتي متزوجة ؟
- (مذهولة) ...لا !
- معقود عليك ؟
- (مذهولة تربيع) ....لا !
- مخطوبة ؟
- (افكر بعمق...دي الكاميرا الخفية , ثم اجيب ببطء) ....لا !!!!
- الله (يفرجها ) ويسهل لك و تتزوجي إن شاء الله .
- (وقع الدعاء علي موقع الصدمة , خاصة لأن الرجل أعطاني شعوراً بأنني لا أجد من (ارمي عليه بلاي ) فقلت له بكل برود ...(ما للدرجة دي يعني) !!!!!! 
- فأجابني بلهجة حادة (كأنه ولي أمري) بأن علي أن اتزوج لأُكمل نصف ديني !! 
فأجبت عليه بجزء من قناعاتي بأنني احاول أن (أغطي النصف الآخر من الدين ...ذلك الذي لا يختص بالزواج ) ..فأشتدت حدة لهجة الرجل مما أعطاني إحساساً بأن (العريس ع الباب) ...فحصلت بحمد الله بعد أن رميت له تصريح (النصف الاول) من الدين على مُحاضرة مجانية ...تتحدث عن ضرورة انجاب الاطفال لأعتمد عليهم في الكِبر !!!!! ( طيب لو انجبت ..و طلعوا اطفال عاقين ...اعمل شنو انا الوقت داك ؟؟! ..(عقلانيون ؟) !

وددت في تلك اللحظات لو أن صاحب التاكسي كان بإمكانه أن يراني و انا في عمر الـزهور هذا  أقفز من سرير لسرير في البيت و اتحرك ضاربة بكلمة (بنوتة) و (كيوتة) و(انوثة) عرض الحائط و بكل اريحية ...فقط لإُسهم في تثقيفه أن كلمة ( فتاة) وحدها ..ليست كافية لجعلها (ماتريال خام) لزواجة ناجحة !!

وفي الأخير و ختاماً لهذا الموضوع الطويل الذي حاولت اختصاره ...فإن على المجتمع أن يدرك أن خطوتي القادمة لو استمر في تصرفاته أنني سأصبح حقاً (انتي سوسيتي) ... سواء كان ذلك بكتاباتي القادمة على جدران الشوارع العامة ...او ممارساتي لسلوكيات ضارة بالمجتمع ...كتعاطي السياسة بصورة خاطئة (كالبعض) ...لا يهم :/