الاثنين، 3 فبراير 2014

على هامش جانبي الشعب السوداني (1): الشعب الدكتور؟

كمُصاب بوسواس قهري يجد نفسه مُجبراً على عد كل خطوة من خطواته أثناء المشي ...اجد نفسي و الشعب السوداني من حولي كذلك فيما يختص بتشخيص و علاج الأمراض ...من غير جُهد يُذكر و من غير(ُعُكوف)- و هي كلمة حقيقية على فكرة ليست ككلمة إندغام- على كُتب و مراجع الطِب البشري التي تُشيب بالرأس قبل الأوان ..فالطب , بالنسبة لي و الشعب السوداني يجري فينا مجرى الدم ...كل ما يحتاجه للتطبيق على الواقع هو : جينات سودانية , ليظهر في شكله الأبهى .

فبمجرد أن يذكر أحدهم إصابته بآلآم في الرأس- يا كافي البلاء- في جلسة (جَبَنة) عادية على سبيل التقريب للإدراك, حتى يُخيل لك أن من كُنت تُجالسهُم من مُدمني الكافيين قد تحولوا بقدرة قادر إلى دكاترة يرتدون الأبيض, فبمجرد ذكرك و لو على سبيل المزح معاناتك من آلام في الرأس حتى تبدأ مرحلة المعاينات و الأسئلة التي عادة ما تبدأ بـ :
- شربت شاي الصباح (الليلة) ؟
- شربت جبنتك ؟
- عندك وجع في بطنك ؟ (الرابط العجيب ما بين آلام البطن و وجع الرأس)
- بتشتكي من ضرسك ؟
- عندك وجع أضان ؟ ... و غيرها من سيل الأسئلة التشخيصية  و التي في الغالب , و بعد جهد جهيد , ستنتهي بنصيحة : ابلع ليك بندول .
آآه و على فكرة بعد ان اشتكيت و شخص لك (طبيب الجلسة) المرض و وصف لك العلاج...ستبدأ حلقة أخرى من هجمات الصُداع بسبب وجع رأسك , ففي العادة سيبدأ من حولك بذكر حكايات تبتديء بإصابة أحدهم كان يُعاني من (صُداع طواالي) ليكتشف فيما بعد انه كان بسبب (مشكلة في النظر) إلى اكتشاف احدهم (من اولئك الذين يعانون من الصداع طوالي) إلى (سرطان في المخ) ...و صدقني حينها سيكون لك أكثر من سبب واحد لتُصدع بشأنه .

اما في حالة كان الألم الذي تُعاني منه هو الم في البطن فإستعد رجاءً لأكوام من الوصفات البلدية التي أيضاً ستمر قبلها بأسئلة تشخيصية كـ (أكلت شنو امبارح) و (يا ويلك) لو نطقت بالخطأ انك اكلت في مطعم , المهم, تبدأ علاجات آلام البطن بـ:
=اشرب يانسون
= سف ليك حب شاي ناشف 
= موية الفول...آآآي الفول العادي دا...و الله كويسة ..قريبنا جربها ...الخ الاسطوانة .
=دق ليك حلبة و ابلعها ناشفة و في رواية أخرى لأحدهم ممن تلتصق الحلبة (المدقوقة) بلسانة و (تساهم في نشاف ريقه) ستُنصح بـ غليها مع الماء ..و شربها على الريق .
=زبادي كابو ...يا زوووول ...و الله دقيقتين بس ..الخ 
= سفن اب ...و كمان لو كان مع الزبادي ..
=اشرب جبنة سادة .
= بِل  لالوب و اشربه على الريق .
اما العلاج (الصيدلاني) رقم واحد الذي سيوصف لك هو : الفلاجيل ...و قد يُضيف لك احدهم ممن يبرز عضلاته العلاجية قائلاً : فلاجيل 500 .

اما آلام الحلق فلا تختلف كثيراً عن السابق ذكرها إلا ان اغرب علاج سمعت به قبل أيام كان نصيحة من احد الجيران لقريبة لي بأخذ (بيت ابو الزنان) (نعم ..الطيني داك) و اضافة ملح له و القليل من الماء...و مسحه على الحلق إلى ما وراء الأذن و اضاف الجار قائلاً: انا هسة خليت الكباسين ...و الله تجربي بيت ابو الزنان دا (تحلفي تقولي ما جاك مرض) ...
اما انا و بعد المرور بثلاث مراحل من الدهشة , أُصبت بإكتئاب مؤقت : يعني انت حلقك واجعك ...(بيت) ابو الزنان (يتخرب) ليه؟! 

اما -مصير بيت ابو الزنان- فهو بالتأكيد ارحم من مصير (ابو القنفذ) و كما لاحظتم(فاللعنة تلاحق الأباء هنا ابتداءً من ابو كرشولا....في المُدن , مروراً ببت ابو الزنان, انتهاءً بأبو القنفذ ..و ما خُفي كان اعظم) ...على العموم نواصل القول , بأن مصير بيت ابو الزنان ارحم من مصير ابو القنفذ , ففي المواصلات العامة - كالعادة- يعني , حدثتني رفيقة مواصلات بأنها زارت طبيب عيون و أخبرها بأنها تعاني من التهابات و ستحتاج لقطرة فحاولت كصيدلانية تذكر سعر تلك القطرة لأُملكها المعلومة, حينما قفز احدهم بمعلومة مُثيرة للإهتمام..ناصحاً رفيقة مواصلاتي تلك بـ(ذبح ابو القنفذ) و (تقطير دمه) في العين ..مواصلاً حديثه بالقول : دا علاج ناجع لوجع العين,(شوفي) بعد تجربيهو تبقى كيف ؟ ...لأُصاب بعدها بنوبة ضحك انتهت بتعليقي على كلامه : دا لو بقى فيها (شوف) بعد داك .
يعني مِيتة و ...خراب ديار ...فيما يختص بمصير الكائنات في الطب التقليدي في مجتمعنا .

على العموم و حتى لا نُطيل الحديث و اعتقد ان الفكرة وصلت, علي ان اعترف ببعض الأشياء :-
فالخدمة التي تشمل حصولك على تشخيص لمرضك عند قيام احدهم بدور الطبيب و المخبري و وصفاً للدواء كصيدلي اكلينيكي و صرفاً للدواء ...و أيضاً مجاناً (فالدواء عادة ما يكون متوفر إما تحت مخدة الشخص الذي يقوم بهذه الادوار مجتمعة او في باب ثلاجته او باب ثلاجة احد الجيران ...هي خدمة لا ريب مميزة , و قد يُفني احدهم حياته محاولاً تحقيق الحلم (بشخصية آينشتاينة في مجالات العلوم الصحية).

اما الإعتراف الثاني فهو ربما سؤال تعسفي اكثر منه اعتراف : بالنسبة للأشخاص الذين ينصحون بأشياء ك(دم القنفذ) لعلاج الالتهابات ...آآآآ ...كيف علموا ان له هذه القدرة ..لو صح الإدعاء !!!!! 
سؤال يراودني !.

بالمناسبة:  من العموميات ايضاً فمعظم الأطفال السودانيين الذين نسألهم سؤالنا الضغاط  الذي لا نجد غيره موضوعاً للونسة عند التحدث مع الصغار و هو (عايز تبقى شنو لما تكبر) ليجيبنا الطفل سواءً عن رغبة شخصية(و هو أمر نادر) او على لسانه نقلاً من
قلب أحد افراد عائلته (عايز ابقى دكتور) ...ربما هو ما يلخص ما نقوم به في الواقع, فبالرغم من ان غالبية (العايزين يبقوا دكاترة لما يكبروا) تميل اشرعة سفنهم بسبب رياح الواقع و ظروفه نحو سلوك مسلك آخر, إلا ان عُقدة (داير ابقى دكتور) تظل ترافقنا ,فنصبح  ظاهرياً في مهنة و ...(باطنيا) او في اللاوعي (أطباء)..مجرد تحليل نفسي قد يمُت او لا يمُت للواقع بصلة ...لا ادري.


على العموم (آخر على العموم): مجال الصيدلة عموماً و (علم الادوية) خصوصاً اعتمد في قيامه كعلم من اهم العلوم الصيدلانية على اُسس نظرية و تجريبية للتحقق من امتلاك بعض النباتات خصائص علاجية (بعد ان كان امتلاكها لها غير مؤكد ) ...خُصر الكلام: قد نسمع في يوم من الايام ان (الظَهَرة) او (بيت ابو الزنان) لديهما قدرات علاجية بحتة في اجسامنا ...و حتى ذلك الحين ..يبقى ما قيل بحاجة إلى اثبات او نفي ...(بالنسبة للأشياء غير المألوفة نتحدث) .

آآآه ....كنا بنقول شنو ؟ شعب دكتور و كدة ؟ 
يللا كفاية معط ...