السبت، 7 سبتمبر 2013

خطوط الأطباء و التدريب في صيدلية!

تقول معلومة انترنتية - اؤمن بصحتها- بأن اهتمام الاشخاص من حولك بحديث معين يزيد عندما يكون ذلك الحديث همساً , ربما و من غير محاولات للتفكير العميق و العقيم ندرك بأن السبب في ذلك ربما يكون وجود فكرة ان الحديث همساً هو حديث "سري و هام" و بنفس المبدأ اعتقد ان اهتمام الاشخاص بشكل عام بخط الدكاترة او ما يعرف بـ "طلاسمهم" ربما يكون بسبب اعتقادهم انهم يحملون بين ايديهم سراً ...لا يقدر على فك رموزه بأي شكل الا بمساعدة الصيدلي "العراف" !


اما انا كمشروع "عرافة" في نظر المجتمع و صيدلانية "في عُرفي الشخصي" فاهتمامي بخط الدكاترة يفوق قليلاً حد معرفته لفك تلك الطلاسم لغرض معرفي ...بل اهتمامي به بسبب انني صيدلانية ...و هو المجال الذي فضلته على غيره في احد الايام ...و قبل ان اعيش قصتي مع خطوط الاطباء !


اثارتي لموضوع سوء خط الدكاترة و – دقي للجرس فيه – سببه تدريبي مؤخراً في صيدلية إحدى المستشفيات الحكومية ...حيث تصر على الظهور وصفات طبية مكتوبة بكتابات الاسهل من تعلم قراءتها ربما تعلم المسمارية او الهيروغليفية او حتى اليابانية !!

اصرت هذه الوصفات على ان تكون مسبب اولي لضياع هيبتي الصيدلانية و التي ما ان تشم رائحة العافية بسبب (خط دكتور مقروء) حتى يصيبها المرض و تغادرها العافية التي اكتُسِبت بشق الانفس بسبب خط آخر لدكتور لا يُراعي الله في مشاعري الصيدلانية.


المشكلة في انه و غير (هيبتي الصيدلانية الضائعة) ان خطوط الاطباء السيئة تساهم و بشكل فعال في تدمير (ثقتي الصيدلانية) ....و للوقت و التاريخ -و ما يجره كليهما من اهوال - علي ان اعترف بأنني اصاب بحالة من تدني الثقة بالنفس مع كل وصفة طبية حاضرة "لدكتور من ذوي الخط غير الواضح"....حتى انني صرت اواصل العودة للصيدلي الاقدم مني في جميع الحالات ....ففي حالة كنت لا استطيع قراءة الخط اذهب للصيدلي ليقرأ لي ما كُتب...و في حالة كنت استطيع قراءة الخط (و هي حالات نادرة) اذهب للصيدلي (ايضاً) فرحة بما اتاني الله من قدرة عجائبية ...كأنني طفلة صغيرة تنتظر قطعة من الحلوى عندما تحسن التصرف !

اكملت اكثر من شهر من التدريب في صيدلية المشفى الذي سبق الحديث عنه ...و كلما اعتقدت جازمة بأنني تمكنت من اتقان قراءة خطوط الدكاترة و تيقنت بامتلاكي لتلك الموهبة الخرافية التي يملكها الصيدلي المُخضرم في "ربط اول حرفين من اسم دواء ...بدواء موجود على الواقع "...تفاجأت بأن هناك كلمات جديدة ترفض إلا ان تكون إحدى مسببات صداعي و استيائي !!!


كثيراً ما تصلني إحدى الوصفات الطبية و التي تجعلني اشك في جدوى خمس سنوات من الدراسة ...فأمسك بالوصفة اقلبها ذات اليمين و ذات الشمال , ثم احاول عبثاً لبس قناع الثقة بقدرتي على قراءتها و هو القناع الذي يسقط عندما اتأكد من الصيدلي الاقدم مني بأن كلمة "فندول" هي في الحقيقة "بندول".... ثم بعد تساقط قناع الثقة ووضعي لقناع "اللامبالاة" تبدأ معاناة من نوع آخر...لا يستطيع فهمها إلا "صرصور" كافكا في كتابه المسخ ...فابدأ بالدوران للخلف لإيجاد الرف المعني (الموجود فيه الدواء" ثم الالتفات
يمنة و يساراً ثم اعلى و اسفل ..ثم اتقدم نحو الامام خطوات قليلة لأكتشف بعد عدة ثوان من دوراني المستمر و المرتبك بعد ان تكون الشكوك قد بدأت باللعب في عقلية المريض بأنني ربما و من المحتمل اقوم باداء الرقص الدائري "رقصة دراويش المولد " .....لاسمع الصيدلي يخبرني بأن الدواء "هُنا"...و "هنا" هذه في الغالب ما تكون في مكان ما كنت انظر اليه بعيني فقط دون ادراكي
لأتذكر بعدها العبارة التي ترددها والدتي بأن "الشوف بالقلب" ...و غالباً ما يتسلل لذاكرتي بعد ذلك رد اخي الاكبر محمد عندما كان طفلاً بعد سماعه لهذه العبارة موجهاً السؤال لقلبه "يا قلبي انت بتشوف وين"؟َ!!!!.....مممم ما علينا !


                                                         دراويش المولد ...الرقصة الدائرية 


اعتقد انك بعد قراءتك لما سبق ستدرك شيئاً مهماً و هو ان الصيادلة لا يولدون و هم يملكون موهبة قراءة اردأ خطوط الوصفات الطبية....بل في الحقيقة هم يعانون في باديء الامر ....ثم تتقلص المعاناة بعد مضي بعض الوقت و ما تلبث ان تنتهي ....فتصبح العلاقة بين خطوط الدكاترة و الصيادلة كعلاقة زواج خالية من الحب ...قائمة على العشرة و ربما صَعُب فيها الطلاق بسبب ظروف الحياة ......


عندما حاولت ان اكتب هذا الموضوع قررت اولاً ان اجمع بعض المعلومات التي تهمني عن خط الدكاترة فوجدت سؤالاً قام احدهم بطرحه عن ما السبب في ان خط الدكاترة لا يقرأه الا الصيدلي؟!....ليقول بعض الطرفاء بأن الأطباء يدرسون في سنتهم الدراسية الأولى كيفية الكتابة بتلك الطريقة "الخرابيش"...بينما يدرس الصيادلة في نفس الوقت "كيفية قراءة تلك الخطوط" و هذا القول طُرفة لا وجود لها في الواقع....و لو وجدت لتم تصنيفها تحت بند (مُسبب اولي للسعادة...في رحلة حياة الصيدلي المبتدئ) !!!
فنحن لا ندرس كيفية قراءة خربشاتهم .... و هم بالتأكيد لديهم ما هو اهم من تعلم كيفية الكتابة بتلك الطريقة و هو معرفة الجسم البشري و ما يضعفه ويمرضه و كيفية علاج ما يُلم به من داء ....الخ .


تبريريون بلا حدود :-
شغل موضوع سوء خط الدكاترة الكثيرين من قبلي...و غالبيتهم من قبيل الحشرية المعرفية , فحاول البعض جاهداً تقديم تفسيرات لسوء الخط السابق ذكره ...فالبعض يرى ان السبب يعود بشكل اساسي لكون الاطباء خلال اهوال دراستهم مروا بالكثير لدرجة ان جمال الخط في نظرهم اصبح من الامور الثالثوية و ليست الثانوية فحسب و هي النقطة التي تبدأ عندها مشاكلي كـ ...صيدلانية !

اما السبب الآخر الذي تراه هذه المجموعة ان سوء الخط مشكلة مرتبطة اساساً بالزحمة و العجلة....اي كون عيادة طبيب ما مليئة بالمرضى و عليه الكتابة بسرعة لغرض "تمشية المرضى".... لتكون النتيجة هي تلك التي لا تفرح صيدلي و لا تسر مريض.
 (-_-)


مشهد حقيقي في مسرحية حياتي كمتدربة :-
قبل اسبوعين تقريباً... حضر لي احدهم بإحدى تلك الوصفات وبما أنني اقف خلف النضد الخشبي كـ "صيدلانية" متدربة...طلب مني المريض ان اقرأ له ما كُتب في تلك الوصفة لعدم قدرته على فرز الحروف التي تشابكت كمجموعة من فروع اشجار شوكية وضعت رديفة بعضها ..



فدار الحوار القصير التالي :-
الرجل : ما قادر اقرا الورقة دي مكتوب فيها شنو ...كدي وريني الدكتور دا كتب لي شنو ؟
انا (و بعد النظر إلى الوصفة لبعض الوقت ) :- سبحان الله ....تصور واقفة هنا و بسأل نفسي نفس السؤال دا...!!
انتهى الموقف و رغم عفويته بالمريض ضاحكاً من الرد غير المتوقع ...و بي ضاحكة على خمس سنين من الدراسة الحقيقية التي ضاعت خلف وصفة طبية تذروها الرياح ...و بالصيدلي ضاحكاً ايضاً امام الفشل الذريع الذي يواصل مد يده لي في سلام .



سؤال تعسفي :-
يعني الان فرضاً فرضاً ...لو كانت جميع خطوط الاطباء جميلة و رائعة و سهلة القراءة...الن تكون مهمة الصيدلي مهمة "غير مهمة" ...و هي فقط "البحث" بين الرفوف عن الدواء و مناولته للمريض ؟!!!!!!!!
من وجهة النظر هذه ...علي ان اعترف ان خط الاطباء الذي لا يقدرعلى قراءته غير صيدلي متمرس ....يرضي غروري الصيدلاني !!