السبت، 9 مارس 2013

وجهة نظر في قضايا التنصير في السودان ...

لا أشك في أن ما يحدث الان في السودان من عمليات تنصير للمسلمين ....يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ...لأن معظم النار من مستصغر الشرر ...


قبل أشهر قليلة وصل للصحف ومنها إلينا خبر "إيمان " طالبة جامعية ملتزمة ومن أسرة ملتزمة , قيل أنها تنصرت وقامت بمغادرة السودان وقضت مدة 3 أسابيع خارج الوطن , حتى تم إرجاعها إلى السودان بعد رحلة بحث شاقة , وخلق تنصير إيمان بوادر مشكلة تم تداركها سريعاً بين الكنيسة و المسلمين ...وذلك بإعتذار قساوسة عن هذه العملية واعتبارهم أنها لا تمثل الكنيسة القبطية في شيء . 

نهلة ...فتاة سودانية أخرى , تمثل جزءً من "صورة كبيرة " لم يحاول أي شخص الجلوس لمعرفة أبعادها , نهلة محمود ...فتاة أخرى من أسرة ملتزمة أخرى , سافرت لبريطانيا وما أن وضعت قدمها هناك حتى أعلنت أنها "Ex-muslim " وأعتبرت أنها كذلك لأنها حسب قولها : كانت دائماً تشعر بأنها إنسانة "ناقصة " واعتبرت أن الشريعة الإسلامية مضطهدة لحقوق المرأة وأنها لا ترغب في أن تُحكم بريطانيا بهذه الشريعة .

موضوع هذه التدوينة ليس للحكم على هاتين الفتاتين ...بل عن البحث عن المشكلة الحقيقية ..ووضع بعض الاسئلة الصحيحة , لست هنا لمناقشة من يقوم بالتنصير ...ولكن لمناقشة بعض الجوانب التي تحتاج لوقفة ...لأن الجميع يعتبر مسؤول عما يحدث أو حدث .

في السودان ...هناك اطار عام توضع فيه ردود الفعل لأي مشكلة ...وهذا الاطار يتكون من قسمين , خذ مثلاً قضايا التنصير هذه ..هناك الجزء الذي  يدين ويشجب ويستنكر ويقوم بتوزيع الاتهامات ويعطي لجهات معينة نصيباً وافراً منها, ونوع آخر مؤمن بتفاهة المواضيع وعدم احقيتها حتى بالمناقشة  ...وكما قيل قديما ف"معظم النار من مستصغر الشرر " ...وكلا الطريقتين في التعامل لها فوائد ولكن أضرارها في مثل هذه القضايا أكبر ...لأننا نحتاج لمنهج وسط لتشخيص المرض وعلاجه وليس العَرض !!! 

لماذا تنصرت إيمان ؟؟ ولماذا تنصرت نهلة ؟ .....ولكن لحظة !! .....حسب أحد المنتمين لمنظمة "الدعوة الاسلامية " وهذا اسم المنظمة لو لم تخني الذاكرة ....قال الرجل في قضية إيمان أنه يعرف 18 حالة أخرى من فتيات تنصرن  !!!!!!! 
يمكنك الان أن تسجل الملحوظة الاولى : أن جميع من يتم تنصيرهم في هذه الفترة هن من الفتيات ...وهذا هو الخط العريض الاول الذي يتبعه سؤال آخر هو : لماذا يتم تنصير الفتيات فقط ؟ وكيف يقتنعن بكلام المنصرين أو يتقبلن افكارهم  !!!!

وللإجابة عن السؤال السابق : دعوني أتحدث بالقليل من الموضوعية ....ولنقل أولاً وكأعتراف بأن من يقوم بعمليات التنصير وبث الافكار عن الدين في عقول هؤلاء الفتيات أشخاص أذكياء ....درسوا وحللوا عوامل مختلفة ..دينية و اجتماعية ونفسية ....نعم نفسية ....سأحاول التحدث عنها بطريقة ما ..لو أمكنني ذلك ..

قبل أكثر من عامين و كتجربة شخصية ....تركت  متابعة بعض الشيوخ على القنوات الدينية التي كنت أتابعها بإستمرار  ....لماذا ؟.....لأنني كنت أستشعر كل يوم يمضي بأن البعض "واقول البعض " قد أصبح لا يشغله شغل غير الحديث عن المرأة....بالرغم من توافر آلاف القضايا الشائكة التي تحتاج لتسليط الضوء عليها ...وهذه ليست المشكلة الكبرى...المشكلة  أن من يتحدث عنها "المرأة"  "يخلط" بين نظرته للمرأة "هو كشخص" ..ونظرة الاسلام للمرأة ...فأصبحت القضية الأخطر : هي أن يتحدث شخص بإسم الدين ...ليبث في عقلك أفكاراً "تحكمها العادات والتقاليد " ويحاول اقناعك بأنها "نظرة الاسلام للمرأة " ..!!

ضايقتني كثيراً هذه الفكرة .....لأنني أؤمن بالعدل الإلهي في تشريعاته وأوقن أن الإسلام نزل كافة للعالمين وليس للمرأة فقط ...وأن الإسلام دين الإنسانية ...وليس دين لفرض سيطرة الرجال فقط ...ولأنني وأهم من هذا كله أعتبر نفسي إنسان ...والدين الإسلامي جاء لتكريم إلانسان وكلمة إنسان تشملني كإمرأة بغض النظر عما يريد إيهامي به البعض .

و أعتقد جازمة بأن هذه المشكلة ...مشكلة الخلط بين العادات والتقاليد بمباديء واحكام الدين الاسلامي أولاً , ثم مشكلة عدم تطبيق الاحكام من قبل المجتمع على الرجل مثلما يفُعل بالمرأة بسبب "انعدام العدل" وبعض العادات  "...ثانياً هي أعظم مشكلاتنا اليوم ....ومن هنا أدرك من يريد الدخول إلى عقول الشابات "المُنصرات أو غيرهن" أن القضية قضية "ربط " ....ربط بين العادات والتقاليد "التي لا تعطي المرأة حقها " ومباديء الدين ...ومن هنا جاء العامل النفسي....فكرسوا جهودهم للبحث عن جميع الشُبهات التي تخص المرأة من وجهة نظرهم ...ولعبوا على "نفسية المرأة" او "الفتاة " التي تُخير في هذا الوضع بين "اعراف " ظالمة وضعت تحت عباءة "الدين "  وليس للدين صلة بها ..او "نصوص " دينية أُخرجت من إطاراتها وتم تفسيرها على "هوى " من يرغبون في إخراج "هؤلاء " الفتيات من دينهن ...وبين سراب آخر  حيث لا وجود لسلطة "رجالية " او سلطة "رجال الدين " او حتى سلطة "عادات وتقاليد " ...ومن هنا نبعت المشكلة !!! 

من الناحية الأخرى...دعنا نتحدث بشكل عام ...عن ثاني أخطر مشكلة تواجهنا اليوم كمسلمين ...سواء في السودان أو غير السودان ...مشكلة ربط الدين بأشخاص ...وهي تضاهي المشكلة الاولى في الخطورة !!
قبل فترة 3  أسابيع تقريباً كتبت دعاء في إحدى صفحات التواصل الاجتماعي لأفاجأ  برد أحد الأصدقاء مُعلقاً على حالتي بكلمات تفسر بشيء قريب من " أنني أستخدم الدين "كالبعض " لهدف معين" ..والهدف المقصود هنا ليس هدف ديني سامي  بل ربما شيء أقرب ل"مراء " ...نعم كأن تكتبي هذا الدعاء لرغبتك في أن "يعتقد " الناس أنك متدينة ...!! 
لا تستغربوا من فكرة هذا الشاب "الذي أدعى أنه يمزح " بعد دخولنا في نقاش ...ففكرته هذه فكرة الآلاف لو لم يكن الملايين ...والقاعدة العامة لهذه الفكرة نتاجها سياسي بحت ...يتمثل في نظرة هذا الشخص لتطبيق "الاسلام " في زمن ما يُعرف ب "الاحزاب الاسلامية " والتي وبالتقريب كانت تجاربها فاشلة لحد كبير ...فتم الربط تلقائياً في عقلية الشعوب العربية بين تجربة "حزب " يحمل الاسلام" شعاراً " له "ولا يطبق جميع أحكامه وما جاء به " ...ودين كامل.....دين حمل شعار الإنسانية أولا وأخيراً ..دين عمل على تحرير الانسان من "ظلم الانسان " و "عبودية الانسان " لكي تكون العبادة خالصة لوجه الله ....دين أسس لمباديء وقيم تعتبر "اسلوب حياة " كامل متكامل قائم على العدل في الملك ...نعم العدل الذي أتخذه الله إسماً من أسمائه الحسنى ...
فأصبح كما أسلفت ...أن تكتب عبارة دينية يعني أنك تنتمي لحزب سياسي معين "يسمي نفسه إسلامي " .....فتم ربط الدين ب"حزب " والحزب هو "مجموعة أشخاص" ...فتكون النظرة التي تؤخذ عليك أولاً وأخيراً بأنك "معاهم" ...وبالتالي من حق هذا الشخص "أن ينظر لك كما ينظر لهم " ...فيُنظر لك على حسب نظرة هؤلاء ...إما أنك مُحسن فيُحسن إليك من قبل مؤيدي هؤلاء ..أو أنك مُسيء ..وهنا عليك تقبل طريقة المعاملة التي لا علاقة لها بشخصك ...بل بشخوص أخرى مختلفة عنك تماماً " ...
وفي هذا المبدأ كثير من المشاكل ...وانا هنا أعود لأكرر ...بأن الدين ومبادئه انزلت للإنسانية جمعة ...ولم تُنزل لحزب معين أو هيئة معينة أو مجتمع دون آخر ...وهذه الفكرة "فكرة الربط بين محاولات فاشلة لتطبيق الدين و الدين نفسه "  خطيرة لأنه في حالتها تم ربط الدين بأشخاص في مجتمعات لم يتم فيها تحقيق العدل الاجتماعي ...وبالتالي أصبحت النظرة للدين "نظرة لأشخاص " قد يخطئوا "وهو المرجح " "وهي التجربة الاليمة العامة "  وقد يصيبوا "وهو شيء نادر الحدوث " !! 

ثم نأتي لبُعد آخر ...وهو "ضعف " لو لم يكن "إنعدام " للثقافة الدينية وبشكل كامل في بعض المجتمعات ....والمقصود هنا غياب الاساسيات عن عقول المجتمعات فيما يخص الدين الاسلامي , فينظر البعض للدين أو يحكمون على "مدى قرب الشخص من الدين"  بطول لحيته او في حالة المرأة : من نقابها ...وهذه مشكلة عظيمة و أسمحوا لي بأن اضع اللوم فيها على جهات كثيرة واخص بالذكر هنا أثنين : أولاً : الشيوخ ...نعم الشيوخ الذين تركوا جوهر الدين الاسلامي ومسكوا في قضايا لن اقول أنها ليست مهمة ولكنها اقل اهمية من الغرض الاساسي للدين الاسلامي ....

شاهدت قبل اسبوعين قناة دينية ناطقة باللغة الانجليزية ..كان الشيخ فيها يوضح فيها أنه من الخطأ أن تترجم كلمة "الله " للأنجليزية ب"God " ووضح السبب ...وكل المحاضرة كانت عن كلمة "الله " عن هذا المصطلح وكيف أن الله أعجز به كفار قريش الذين أشتهروا بالبلاغة ...أعجبتني المحاضرة وانصت لها "بقلبي " و "عقلي " قبل أذني ...لأن الشيخ تحدث عن "الله " ..عن المعنى عن الجوهر ...ولم يتحدث عن فوائد إعفاء اللحى من الناحية التربوية والصحية مثلاً أو عن وضع المرأة لل "المناكير " والخروج به في المولات العامة ...فتذكرت عندما اكملت انصاتي للشيخ الناطق بالانجليزية عبارة قرأتها للدكتور مصطفى محمود "رحمه الله " عن بعض الدعاة أو الشيوخ الآخرين ..حين  قال : وكل الدعاة الذين يغرقون أتباعهم في التفاصيل والقشور والمظاهر و يبتعدون بهم عن روح الدين ...عن الحب و الرحمة والتقوى ومكارم الاخلاق ...هم من الكذبة بقدر بعدهم عنها .." ...وأعتقد أن قول هذا العالم الجليل المفكر ...لا يحتاج للمزيد من التوضيح !

والجهة الثانية التي أضع اللوم عليها : هي :- الأسرة ...المجتمع بكامله لو أعتبرنا أن الاسرة هي لب المجتمع ونواته ...لأن كثير من الاسر تركت الناحية الدينية ...واهتمت بالماديات اهتماماً كاملاً ...ونسيت أن تربي الاطفال أو الصغار على المباديء الاساسية للدين والمشكلة الاكبر ..نسيت أن تغرس فيهم حب المعرفة والبحث ...والادهى "التفكر " ....لأن الانسان قد ينسى آية حفظها ..او حديث أجاده في يوم ...ولكن لن تجد شخصاً نسي أن يُفكر ....وهذا يذكرني بعبارة "لا تعطني سمكة ...علمني كيف اصطاد " ...لأن الشخص لو تعلم   طريقة تفكير سيعرف الله ...سيفهم جوهر الدين ...وربما لهذا كان "فقيهاً واحداً أشد على الشيطان من الف عابد " ..

عند جمعك لهذه العوامل الثلاث ستجد أن الطريق سالك أمام متحيني الفرص للدخول إلى عقول من عايشوا مثل الظروف التي سبق التحدث عنها .

اهاا ..نسيت أن أذكر....قرأت في إحدى الصحف الالكترونية أن نهلة "الاكس مسلم " تشبه نفسها بالدكتور مصطفى محمود العالم الجليل والمفكر رحمه الله ..وذلك في أنه خاض رحلة في يوم من الايام "من الشك إلى الايمان " ...وأنا اقول لها ما قاله الدكتور مصطفى نفسه :" لو أنني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل ..ولقادتني الفطرة إلى الله " ...واعتقد أن هذا ما ستصل له نهلة ,,,لو كانت رحلتها للبحث عن الحقيقة جادة ...فهي ستجد الله وعندها ستؤمن بدينه ....وربما كان هذا كله لخير .....

وفي الأخير أقول : أسباب التنصر كثيرة ...منها ما ذكرته ومنها ما لم أتحدث عنه وربما ربما ربما ..اكتب تدوينة أخرى عن بقية الاسباب ....بالرغم من اعتقادي أن الاسباب التي ذكرت هي الأكبر والاعظم ....!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق